فصل: الحديث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:

عَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ: «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخلّل لحيته».
هَذَا الحَدِيث حسن.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق، عَن أبي وَائِل، عَن عُثْمَان. وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من هَذِه الطَّرِيق، وَلَفظه: عَن أبي وَائِل قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ تَوَضَّأ فخلل لحيته ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله فعله».
وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده وَلَفظه: عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ فخلل لحيته، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ».
وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار والدَّارقطني، وَصَححهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من رِوَايَة إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ فَغسل وَجهه واستنشق ومضمض ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما، وخلل لحيته ثَلَاثًا حِين غسل وَجهه قبل أَن يغسل قَدَمَيْهِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل الَّذِي رَأَيْتُمُونِي».
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي صَحِيحه وَلَفظه كَمَا تقدم فِي طرق الحَدِيث الَّذِي قبله، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل- يَعْنِي: البُخَارِيّ-: أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أنَّه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هُوَ حسن. وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عُثْمَان إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد. وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: قد اتّفق الشَّيْخَانِ- يَعْنِي: البُخَارِيّ ومُسلما- عَلَى إِخْرَاج طرق حَدِيث عُثْمَان فِي ذكر وضوئِهِ، وَلم يذكرَا فِي روايتهما تَخْلِيل اللِّحْيَة ثَلَاثًا وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح قد احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته غير عَامر بن شَقِيق، وَلَا أعلم فِي عَامر بن شَقِيق طَعنا بِوَجْه من الْوُجُوه.
قَالَ: وَله فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة شَاهد صَحِيح عَن عمار بن يَاسر وَأنس بن مَالك وَعَائِشَة. أمَّا حَدِيث عمار، فَرَوَاهُ عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن حسان بن بِلَال «أنَّه رَأَى عمار بن يَاسر يتَوَضَّأ فخلل لحيته، وَقَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَقد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخلل لحيته».
قلت: عبد الْكَرِيم هَذَا هُوَ أَبُو أُميَّة بن أبي الْمخَارِق، كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَهُوَ أحد الضُّعَفَاء، وَلم يسمعهُ من حسان. قَالَه ابْن عُيَيْنَة وَالْبُخَارِيّ، فَأَيْنَ الصِّحَّة؟ نعم أخرجه ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن حسان. وَادَّعَى ابْن حزم جَهَالَة حسان هَذَا، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ثِقَة. ثمَّ قَالَ ابْن حزم: لَا يعرف لحسان لِقَاء لعمَّار.
قلت: هَذَا عَجِيب؛ فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن حسان قَالَ: «رَأَيْت عمار بن يَاسر...» فَذكر الحَدِيث، وَفِي الطَّبَرَانِيّ نَحوه فاستفده.
وأمَّا حَدِيث أنس فَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ وخلل لحيته بأصابعه من تحتهَا» وَإِسْنَاده صَحِيح كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي علله.
وَرَوَاهُ مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن أنس قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ وخلل لحيته وَقَالَ: بِهَذَا أَمرنِي ربّي».
وأمَّا حَدِيث عَائِشَة؛ فَرَوَاهُ طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز عَنْهَا قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته».
قلت: وَله أَيْضا شَاهد من حَدِيث أمّ سَلمَة وَأبي أَيُّوب وَأبي أُمَامَة وَابْن عمر وَجَابِر وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَجَرِير وَابْن أبي أَوْفَى وَغَيرهم رَضي اللهُ عَنهم.
أمَّا حَدِيث أمِّ سَلمَة، فَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَلم يذكرَا لَفظه.
وأمَّا حَدِيث أبي أَيُّوب؛ فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه والعقيلي من حَدِيث أبي سُورَة عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فخلل لحيته».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ فِي علله وَلَفْظهمَا: «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تَوَضَّأ، تمضمض ومسَّ لحيته بِالْمَاءِ من تحتهَا»، ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا شَيْء. فَقلت: أَبُو سُورَة مَا اسْمه؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا يصنع بِهِ، عِنْده مَنَاكِير، لَا يعرف لَهُ سَماع من أبي أَيُّوب. انْتَهَى.
وَأَبُو سُورَة هَذَا هُوَ ابْن أخي أبي أَيُّوب. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَجْهُول. وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان.
وأمَّا حَدِيث أبي أُمَامَة؛ فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه نَا زيد بن الْحباب، عَن عمر بن سليم الْبَاهِلِيّ، قَالَ: حَدَّثَني أَبُو غَالب قَالَ: «قلت لأبي أُمَامَة: أخبرنَا عَن وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا وخلل لحيته، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل».
زيد بن الْحباب احْتج بِهِ مُسلم ووثق، وَعمر بن سليم الْبَاهِلِيّ سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ.
وَأَبُو غَالب اخْتلف فِي اسْمه؛ فَقيل: حَزَوَّر- بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة مَعًا، وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة وَآخره رَاء مُهْملَة- وَقيل: سعيد. وَهُوَ صَالح الحَدِيث. وَقد صحّح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه. فإسناد هَذَا الطَّرِيق حسن.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي أكبر معاجمه عَن عبيد بن غَنَّام، نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة. وعَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الْمروزِي نَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْهَرَوِيّ، قَالَا: نَا زيد بن الْحباب فَذكره.
وأمَّا حَدِيث ابْن عمر؛ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه من حَدِيث مؤمَّل بن إِسْمَاعِيل، نَا عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع عَنهُ «أنَّه كَانَ إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته وأصابع رجلَيْهِ، وَيَزْعُم أنَّه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِكَ» ثمَّ قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر إِلَّا مُؤَمل.
قلت: قَالَ أَبُو حَاتِم فِي مُؤَمل: إنَّه صَدُوق، شَدِيد فِي السّنة، كثير الْخَطَأ.
وَرَوَاهُ الْخلال مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر «أنَّه كَانَ إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته» قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد المخرمي: قَالَ أَحْمد: لَيْسَ فِي التَّخْلِيل أصحّ من هَذَا. وَسَيَأْتِي لحَدِيث ابْن عمر طَريقَة أُخْرَى بعد هَذَا- إِن شَاءَ الله.
وأمَّا حَدِيث جَابر؛ فَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام من رِوَايَة الْحسن عَنهُ، وَمن طَرِيق لَا يعول عَلَيْهَا: قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ فخلل لحيته كأنَّها أَنْيَاب مشط».
وأمَّا حَدِيث عَلّي؛ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ- فِيمَا انتقاه أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه عَلَيْهِ، فِيمَا انتقاه هُوَ عَن أهل الْبَصْرَة- من حَدِيث أبي البخْترِي الطَّائِي قَالَ: «رَأَيْت عليًّا يخلل لحيته إِذا تَوَضَّأ وَيَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل».
وأمَّا حَدِيث ابْن عَبَّاس؛ فَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمَة نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ قَالَ: رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَطَهَّر ثمَّ يخلل لحيته وَيَقُول: بِهَذَا أَمرنِي ربّي».
قَالَ: وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ بِهَذَا الإِسناد. وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين.
قَالَ البُخَارِيّ: وَنَافِع مُنكر الحَدِيث.
وأمَّا حَدِيث جرير؛ فَرَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله من طَرِيق ياسين الزيات عَن ربعي بن حِراش عَنهُ مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: ياسين مَتْرُوك.
وَأما حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ مَوْجُود فِي نُسْخَة أبي أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ، عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ، نَا فائد عَنهُ «أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ» وَفِيه: «فَمسح رَأسه وَاحِدَة، ويخلل لحيته بأصابعه ثَلَاثًا».
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور عَن مَرْوَان أَيْضا عَن أبي الورقاء الْعَبْدي، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى «أَنه تَوَضَّأ فخلل لحيته فِي غسل وَجهه ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل هَكَذَا».
فَهَذَا اثْنَا عشر شَاهدا لحَدِيث عُثْمَان رَضِي اللهُ عَنْهُ فَكيف لَا يكون صَحِيحا وَالْأَئِمَّة قد صححوه: التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالدَّارَقُطْنِيّ كَمَا تقدم عَنهُ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح، وَشهد لَهُ إِمَام هَذَا الْفَنّ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ بأنَّه حَدِيث حسن وبأنَّه أصحّ حَدِيث فِي الْبَاب، فلعلَّ مَا نَقله ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه من قَوْله: إنَّه لَا يثبت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة حَدِيث. وَمن قَول الإِمام أَحْمد حَيْثُ سَأَلَهُ ابْنه: لَا يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة شَيْء أَن يكون المُرَاد بذلك غير حَدِيث عُثْمَان.
وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: ذكر عَن أبي دَاوُد أنَّه قَالَ: قَالَ أَحْمد: تَخْلِيل اللِّحْيَة قد رُوِيَ فِيهِ أَحَادِيث لَيْسَ يثبت فِيهِ حَدِيث وَأحسن شَيْء فِيهِ حَدِيث شَقِيق عَن عُثْمَان «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فخلل لحيته» وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان- وَهُوَ الإِمام المدقق فِي النّظر فِي علل الحَدِيث-: إِسْنَاد حَدِيث أنس عِنْدِي صَحِيح. ثمَّ أوضح ذَلِكَ، وَفِي كل هَذَا رد عَلَى مَا قَالَه ابْن حزم فِي الْمُحَلَّى: أنَّ حَدِيث عُثْمَان هَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن عَامر بن شَقِيق، وَلَيْسَ مَشْهُورا بِقُوَّة النَّقْل. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: عَامر بن شَقِيق ضَعِيف.
قَالَ ابْن عبد الحقّ فِي الرَّد عَلَى المحلَّى: هَذَا من أعجب مَا يسمع؛ يُقَال فِي إِسْرَائِيل بن يُونُس: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقد خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: شيخ ثِقَة. وَعجب من حفظه، وفَضَّله عَلَى شريك وَعَلَى يُونُس فِي أبي إِسْحَاق، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة متقن من أتقن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أَيْضا: مَا أثبت حَدِيث إِسْرَائِيل وأصحَّه.
وَوَثَّقَهُ ابْن نمير وَغَيره، قَالَ: وَلَا يحفظ عَن أحد فِيهِ تجريح إِلَّا مَا ذكر عَن يَحْيَى بن سعيد، وَلم يعرج عَلَيْهِ أحد!
قلت: وعامر بن شَقِيق وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا تقدم قَرِيبا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَعَن ابْن معِين تَضْعِيفه.

.الحديث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدَّلك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث عبد الحميد بن حبيب، نَا الْأَوْزَاعِيّ، نَا عبد الْوَاحِد بن قيس، حَدَّثَني نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ عَرك عارضيه بعض العرك، ثمَّ شَبكَ لحيته بأصابعه من تحتهَا».
وأعل بِثَلَاث علل:
أَحدهَا: عبد الحميد بن حبيب هَذَا هُوَ ابْن أبي الْعشْرين، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يكن صَاحب حَدِيث، وَضَعفه دُحَيْم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَعَن أَحْمد توثيقه.
الثَّانِيَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: اخْتلفُوا فِي عَدَالَة عبد الْوَاحِد بن قيس؛ فوثقه يَحْيَى بن معِين. وأَبَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ. انْتَهَى كَلَامه.
وَقَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحتجّ بِهِ.
وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ، عَن يَحْيَى بن معِين أنَّه مرّة ضعفه وَمرَّة وَثَّقَهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ.
وَتَركه البرقاني. وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: مُنكر الحَدِيث.
الْعلَّة الثَّالِثَة: التَّعْلِيل بالإِرسال وَالْوَقْف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ ابْن أبي حَاتِم:- ورأيته أَنا بعد ذَلِكَ فِي علله- قَالَ أبي: رَوَى هَذَا الحَدِيث الْوَلِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الْوَاحِد عَن يزِيد الرقاشِي وَقَتَادَة قَالَا: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» مُرْسلا وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ مَوْقُوفا. ثمَّ أسْندهُ عَن ابْن عمر من غير طَرِيق ابْن أبي الْعشْرين. وصَوَّب الدَّارَقُطْنِيّ الْمَوْقُوف، وَأخرج هَذَا الحَدِيث عبد الحقّ فِي أَحْكَامه الصُّغْرَى. قَالَ: وَالصَّحِيح أنَّه فعل ابْن عمر غير مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا نَص كَمَا ذكر وَلم يبين علته، وَقد يظنّ أنَّ تَعْلِيله إِيَّاه هُوَ مَا ذكر من وَقفه وَرَفعه، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيح، فإنَّه إنَّما يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا وواقفه ثِقَة، فَفِي مثل هَذَا الْحَال كَانَ يصدق قَوْله: الصَّحِيح مَوْقُوف من فعل ابْن عمر أمَّا إِذا كَانَ رافعه ثِقَة وواقفه ثِقَة فَهَذَا لَا يضرّهُ، وَلَا هُوَ عِلّة فِيهِ، وَهَذَا حَال هَذَا الحَدِيث، فإنَّ رافعه عَن الْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الحميد بن حبيب بن أبي الْعشْرين كَاتبه، وواقفه عَنهُ هُوَ أَبُو الْمُغيرَة، وَكِلَاهُمَا ثِقَة، فالقضاء للْوَاقِف عَلَى الرافع يكون خطأ، وَبعد هَذَا فعلة الْخَبَر هِيَ غير ذَلِكَ، وَهِي: ضعف عبد الْوَاحِد بن قيس رَاوِيه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَعنهُ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْوَجْهَيْنِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: عبد الْوَاحِد بن قيس الَّذِي رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ: شبه لَا شَيْء. وَإِذا الْمَوْقُوف الَّذِي صحّح لابدَّ فِيهِ من عبد الْوَاحِد بن قيس فَلَيْسَ إِذا بِصَحِيح، وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يقل فِي الْمَوْقُوف: صَحِيح وَلَا أصحّ، إنَّما قَالَ: إنَّ رِوَايَة أبي الْمُغيرَة بوقفه هُوَ الصَّوَاب؛ فَاعْلَم ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: عبد الحقّ تبع الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا قَالَ. وَقَول ابْن الْقطَّان: «إنَّما كَانَ يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة، لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا وَوَافَقَهُ ثِقَة» فِي هَذَا الْحصْر نظر، فقد يَأْخُذُونَ ذَلِكَ من كَثْرَة الواقفين، أَو تَقْدِيم مرتبَة الْوَاقِف عَلَى الرافع، ولعلَّ هَذَا مِنْهُ عِنْد من قَالَ ذَلِكَ، فإنَّ أَبَا الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَعبد الحميد رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَوَثَّقَهُ الرَّازِيّ، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ قَرِيبا مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: شَامي رُبمَا يُخَالف فِي حَدِيثه. وقَدَّمه هِشَام بن عمار عَلَى أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ فِي حِكَايَة: «أوثق أَصْحَابه كَاتبه عبد الحميد» قَالَ الشَّيْخ: وَلَعَلَّ أَبَا الْحسن بن الْقطَّان أَرَادَ إنَّما يَصح ذَلِكَ فِي النّظر الصَّحِيح عِنْده.
وَقَالَ شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي: أمَّا مَا ذكره ابْن الْقطَّان فَلَيْسَ بَعيدا من حَيْثُ النّظر، إِذا اسْتَويَا فِي مرتبَة الثِّقَة وَالْعَدَالَة أَو تقاربا، كَمَا هُوَ هَا هُنَا؛ لأنَّ الرّفْع زِيَادَة عَلَى الْوَقْف، وَقد جَاءَ عَن ثِقَة فسبيله الْقبُول، وَهَذَا هُوَ الَّذِي زَعمه ابْن الصّلاح، فَإِن كَانَ نظرا مِنْهُ فَهُوَ نظر صَحِيح، وَإِن كَانَ نقلا عَمَّن تقدمه فَلَيْسَ للنَّاس فِي ذَلِكَ عمل مطرد، وَأَبُو الْمُغيرَة احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَابْن أبي الْعشْرين رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ قَرِيبا من ذَلِكَ. وَذكر مقَالَة النَّسَائِيّ وَالْبُخَارِيّ الْمُتَقَدّمَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن كَانَ عبد القدوس مرجحًا عَلَى عبد الحميد فإنَّ لعبد الحميد اختصاصًا بالأوزاعي يُوجب لَهُ مزية فِيمَا يروي عَنهُ- كَانَ كَاتبه- وقَدَّمه هِشَام بن عمار عَلَى أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ، فَقَالَ فِي حِكَايَة: أوثق أَصْحَابه كَاتبه عبد الحميد وَعرف عَن يَحْيَى بن معِين أنَّ قَوْله: لَيْسَ بِهِ بَأْس يَعْنِي بِهِ الثِّقَة، فَلَيْسَ يقصر فِي الْأَوْزَاعِيّ عَن دَرَجَة أبي الْمُغيرَة وَإِن احْتمل أَن يقصر عَنهُ فِي غَيره. قَالَ: وأمَّا رد ابْن الْقطَّان الْخَبَر بِعَبْد الْوَاحِد بن قيس فَلَيْسَ فِي عبد الْوَاحِد كَبِير أَمر، عبد الْوَاحِد مُخْتَلف فِي حَاله، وَثَّقَهُ ابْن معِين وأباه البُخَارِيّ وَيَحْيَى الْقطَّان، وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف، وَإِذا رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ فَهُوَ صَالح. وَهَذَا من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ، وأمَّا أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق فإنَّه قد صحّح ذَلِكَ عَن ابْن عمر من فعله، وَلَيْسَ إِلَّا الِاعْتِمَاد عَلَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَرْجِيح مَوْقُوف هَذَا الْخَبَر عَلَى مرفوعه، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَصْحِيح الْمَوْقُوف مُطلقًا.
فتلخص أَن للحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث اضْطِرَاب تَرْجِيح، وَأَرْجُو أَن يكون حسنا، وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه وتنبه لأمر آخر يتعلَّق بِالْكِتَابَةِ، وَهُوَ أَن الحَدِيث الَّذِي أوردته مَوْجُود كَذَلِك فِي عدَّة نسخ من الرَّافِعِيّ وَفِي بَعْضهَا ضرب عَلَى قَوْله: «كَانَ يخلل لحيته» وَوصل الثَّانِي بِحَدِيث عُثْمَان الْمُتَقَدّم. وَهُوَ هَكَذَا فِي هَذِه النُّسْخَة، وَعَن عُثْمَان: «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخلل لحيته ويدلك عارضيه» وَهَذِه النُّسْخَة معتنى بهَا؛ فَإِن صَحَّ ذَلِكَ فَلم أر هَذِه الْجُمْلَة في حَدِيث عُثْمَان، فَاعْلَم ذَلِكَ.

.الحديث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ:

«كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب التَّيَامُن فِي كلّ شَيْء حَتَّى فِي وضوئِهِ وانتعاله».
هَذَا صَحِيح.
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَنْدَه، وَابْن حبَان من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب التَّيَمُّن فِي شَأْنه كلّه: فِي تنعله وَترَجله وَطهُوره». هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَفِي رِوَايَة لَهما: «إنْ كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحبّ التَّيَمُّن فِي طهوره إِذا تطهر، وَفِي ترجله إِذا ترجل، وَفِي انتعاله إِذا تنعل».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «يُعجبهُ التَّيَمُّن».
وَفِي رِوَايَة: «يحب التَّيَمُّن مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنه كُله...» الحَدِيث، ذكره فِي بَاب التَّيَمُّن فِي دُخُول الْمَسْجِد وَفِي لفظ ابْن مَنْدَه: «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَمُّن فِي الْوضُوء والانتعال» وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى فِي التَّرَجُّل والانتعال».
وَهَذِه الرِّوَايَة أقرب إِلَى مَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يحب التَّيَمُّن مَا اسْتَطَاعَ فِي طهوره وتنعله وَترَجله» وَفِي لفظ لَهُ: «وشأنه كلّه».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد زِيَادَة: «وسواكه». زَادهَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم أحد رُوَاته عَن شُعْبَة، ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَن شُعْبَة معَاذ وَلم يذكر «سواكه».

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا توضأتم فابدءوا بميامنكم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ، وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الْأَسْمَاء والكنى».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَهُوَ حقيق بِأَن يصحح. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح- ثمَّ النَّووي-: وَهُوَ حَدِيث حسن وَإِسْنَاده جيِّد.
وَلَفظه فِي أَكثر هَذِه الْأُصُول: «إِذا لبستم وَإِذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم» وَفِي بَعْضهَا «بميامنكم» وَكِلَاهُمَا صَحِيح، فالأوَّل: جمع «أَيمن» وَالثَّانِي: جمع «ميمنة» وَكَذَا حسنه الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب قَالَا- أَعنِي النَّوَوِيّ والزكي-: وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي اللبَاس.
قلت: لم يروه التِّرْمِذِيّ بِالْكُلِّيَّةِ. ذَاك حَدِيث آخر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الْموضع الْمشَار إِلَيْهِ من حَدِيث عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا لبس قَمِيصًا بَدَأَ بميامنه». وَرَوَاهُ كَذَلِك النَّسَائِيّ فِي «الزِّينَة». قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد رَوَى هَذَا الحَدِيث غير وَاحِد عَن شُعْبَة بِهَذَا الإِسناد لم يرفعهُ، وإنَّما رَفعه عبد الصَّمد. انْتَهَى.
وَعبد الصَّمد هَذَا من الثِّقَات الَّذين اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بهم، لَا جرم أَن ابْن حبَان أخرجه فِي صَحِيحه من طَرِيقه مَرْفُوعا حَاكما عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ؛ فتنبَّه لذَلِك كلّه.

.الحديث الحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ:

أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن أمتَّى يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة غرًّا محجلين من آثَار الْوضُوء- قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فكنّا نغسل بعد ذَلِكَ أَيْدِينَا إِلَى الآباط».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة أبي حَازِم، قَالَ: «كنت خلف أبي هُرَيْرَة وَهُوَ يتَوَضَّأ للصَّلَاة فَكَانَ يمد يَده حَتَّى يبلغ إبطَيْهِ، فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة مَا هَذَا الْوضُوء؟ فَقَالَ: يَا بني فرّوخ أَنْتُم هَا هُنَا لَو علمت أَنكُمْ هَا هُنَا مَا تَوَضَّأت هَذَا الْوضُوء. فَقَالَ: سَمِعت خليلي يَقُول: تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء».
قَالَ النَّووي: وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ فِي أَوَاخِر الْكتاب فِي بَاب نقض الصُّور من صَحِيحه، وَفِيه التَّصْرِيح ببلوغ أبي هُرَيْرَة بِالْمَاءِ إبطَيْهِ عَن أبي زرْعَة «أنَّ أَبَا هُرَيْرَة دَعَا بتور من مَاء فَغسل يَدَيْهِ حَتَّى بلغ إبطه، فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَشَيْء سمعته من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: مُنْتَهى الْحِلْية».
وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «تبلغ حلية أهل الْجنَّة مبلغ الْوضُوء».
وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث ابْن مَسْعُود: «يَا رَسُول الله، كَيفَ تعرف من لم تَرَ من أمَّتك؟ قَالَ: غر محجلون بلق من آثَار الْوضُوء».
فَرُّوخ: بِفَتْح الْفَاء وَضم الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَآخره خاء مُعْجمَة.
وَقد قدمنَا أَيْضا فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب طرفا من طَرِيق حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَمن أَوْهَام ابْن بطال الْمَالِكِي: إِنْكَاره عَلَى أبي هُرَيْرَة بُلُوغ المَاء إبطَيْهِ، وَأَن أحدا لم يُتَابِعه عَلَيْهِ، وَقد قَالَ بِهِ جمَاعَة من أَصْحَابنَا أَيْضا.

.الحديث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ:

عَن عبد الله بن زيد «فِي صفة وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَّه مسح بيدَيْهِ فَأقبل بهما وَأدبر، بَدَأَ بِمقدم رَأسه ثمَّ ذهب بهما إِلَى قَفاهُ ثمَّ ردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
وَقد تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين من هَذَا الْبَاب. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ أصح شَيْء فِي الْبَاب وَأحسن.
فَائِدَتَانِ:
إِحْدَاهمَا: جَاءَ فِي كَيْفيَّة مسح الرَّأْس أَحَادِيث:
أَحدهَا: حَدِيث عبد الله بن زيد الْمَذْكُور.
ثَانِيهَا: حَدِيث الرّبيع بنت معوذ «أنَّه عَلَيْهِ السَّلَام مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ، بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ بمقدمه».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عقيل عَنْهَا.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مسح الرَّأْس كُله من قرن الشّعْر كل نَاحيَة لمنصب الشّعْر، لَا يُحَرك الشّعْر عَن هَيئته».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مسح رَأسه مَا أقبل مِنْهُ وَمَا أدبر».
وَفِي رِوَايَة للطبراني: «بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ جَرّه إِلَى مقدمه ثمَّ جَرّه إِلَى مؤخره».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي شيبَة: «بَدَأَ بمؤخره ثمَّ رد بيدَيْهِ عَلَى ناصيته».
الثَّالِث: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أنَّه عَلَيْهِ السَّلَام وضع يَدَيْهِ فِي النّصْف من رَأسه ثمَّ جَرَّهما إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ أعادهما إِلَى ذَلِكَ الْمَكَان وجرهما إِلَى صدغيه».
رَوَاهُ عبد الْبَاقِي بن قَانِع الْحَافِظ فِي الْجُزْء الأوَّل من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ.
الثَّانِيَة: اعْلَم أَن عبد الله بن زيد هَذَا هُوَ رَاوِي حَدِيث صَلَاة الاسْتِسْقَاء الْآتِي فِي بَابه وَهُوَ غير عبد الله بن زيد رَاوِي حَدِيث الْأَذَان، فهما مشتركان فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْمه: عبد الله بن زيد، وَهُوَ أَنْصَارِي، لَكِن يفترقان فِي الْجد والقبيلة؛ فَإِن الْمَذْكُور هُنَا هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني الْمدنِي، وَذَاكَ عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأوسي- وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي بَاب الْأَذَان حَيْثُ ذكر المُصَنّف حَدِيثه- إِن شَاءَ الله ذَلِكَ وَقدره- فَافْهَم مَا قَرَّرْنَاهُ لَك؛ فإنَّه قد غلط فِي ذَلِكَ كبار.
قَالَ ابْن عبد الْبر: وهم ابْن عُيَيْنَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وَهَذَا خطأ؛ وإنَّما هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم؛ وَذَاكَ هُوَ الَّذِي أرِي الْأَذَان فِي النَّوم، وَهُوَ أقلّ رِوَايَة من الأوَّل.
قَالَ: وَقد كَانَ أَحْمد بن زُهَيْر يزْعم أَن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وهم فيهمَا فجعلهما وَاحِدًا فِيمَا حَكَى قَاسم بن أصبغ عَنهُ، والغلط لَا يسلم مِنْهُ أحد. قَالَ: فَإِذا كَانَ ابْن عُيَيْنَة مَعَ جلالته يغلط فِي ذَلِكَ فإسماعيل بن إِسْحَاق أَيْن يَقع من سُفْيَان بن عُيَيْنَة، إِلَّا أَن الْمُتَأَخِّرين أوسع علما وَأَقل عذرا.
قلت: وَمن ذَلِكَ جعل أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ أَنهم ثَلَاثَة؛ فإنَّه ذكر عبد الله بن زيد بن عبد ربه، صَاحب حَدِيث الْأَذَان، ثمَّ ذكر بعده عبد الله بن زيد بن عَمْرو الْمَازِني، وَذكر لَهُ حَدِيثا وَاحِدًا فِي الْأَذَان وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ غَيره، وَعقد لعبد الله بن زيد بن عَاصِم تَرْجَمَة ثَالِثَة وَذكر من حَدِيثه وَحَكَى وَفَاته.